أكثر من 105 مليارات يورو و76 مليون زائر دولي يؤكدان ريادة إسبانيا في قطاع السياحة عام 2025. لكن الرقم الأبرز هو رقم آخر: الإنفاق ينمو بوتيرة أسرع من أعداد الوافدين – وهو مؤشر على نضج وتطور هذا النموذج.
بقلم إيهاب سلطان
HoyLunes — في إسبانيا، ثمة ما لا يمكن وصفه بالأرقام: الضوء، وفن الطهي، والإيقاع الإنساني، والشعور بالوجود حيث لا تزال الحياة تُحتفى بها. ولكن هناك أيضًا ما يمكن قياسه: متانة نموذج السياحة الذي أثبت، في عام 2025، مجددًا قوته وقدرته على التحول.
بين يناير وسبتمبر، اختار أكثر من 76.4 مليون سائح دولي إسبانيا وجهتهم. ومع ذلك، فإن الرقم الأبرز ليس هذا، بل إجمالي الإنفاق: أكثر من 105.827 مليار يورو، بزيادة قدرها 7% عن الفترة نفسها من عام 2024. بمعنى آخر، يتوافد الزوار، لكنهم ينفقون بوعي أكبر ويبقون لفترة أطول.

“السياحة الإسبانية تتطور: تضخم أقل، قيمة مضافة أكبر، استدامة أكبر”، هذا ما يقوله ممثلون عن مختلف المناطق ذات الحكم الذاتي. جملة تلخص مرحلة جديدة في هذا القطاع – مرحلة السياحة الواعية.
نضج نموذج متغير
كان شهر سبتمبر مثالاً على التوازن: زار 9.7 مليون سائح دولي إسبانيا خلال الشهر، بزيادة قدرها 0.8% عن الشهر نفسه من العام الماضي. لكن إجمالي الإنفاق نما بنسبة أكبر بكثير – 6%، ليصل إلى 13.364 مليار يورو. أنفق كل زائر ما معدله 1,380 يورو، مما يعكس سياحة أكثر مسؤولية، مع إقامات أطول، وجودة أعلى، وتفضيل متزايد للتجارب الأصيلة.
لا تزال الوجهات السياحية التقليدية – جزر البليار، وكاتالونيا، والأندلس – رائدة في جذب المسافرين، على الرغم من أن النمو يتبع الآن استراتيجية واضحة: التنويع، واللامركزية، والحماية. لم تعد السياحة تهدف فقط إلى ملء الفنادق؛ بل تسعى أيضًا إلى استدامة حياة الأقاليم.

إسبانيا التي تلهم الثقة
لا تزال المملكة المتحدة المصدر الرئيسي للزوار – وهي أيضًا الأكثر إنفاقًا (18% من إجمالي الإنفاق)، تليها ألمانيا (11.7%) وفرنسا (7.5%). ومع ذلك، فإن أكبر دفعة تأتي من ما يسمى ببقية العالم، حيث ارتفع إنفاقها بنسبة 10.5% في سبتمبر. هؤلاء زوار من الأمريكتين وآسيا والشرق الأوسط، يبحثون ليس فقط عن الشمس والشواطئ، بل أيضاً عن الثقافة والرفاهية والأصالة.
يُعدّ هذا التغيير في التوجهات خبراً ساراً: فهو يُظهر أن إسبانيا تُرسّخ مكانتها كدولة تُعنى بالسياحة التجريبية، وليست مجرد وجهة سياحية.
المناطق التي تُحدّد التوجه
على مدار العام، برزت ثلاث مناطق بفضل ثقلها الاقتصادي في السياحة:
كاتالونيا – 18.5% من إجمالي الإنفاق
جزر البليار – 17.4%
جزر الكناري – 17%
لكل منها هويتها الخاصة:
كاتالونيا، تُوازن بين الفن وفن الطهي والعروض الحضرية.
جزر البليار، تتقدم نحو نموذج سياحي دائري مع تركيز قوي على البيئة.
جزر الكناري، رمز السياحة الشتوية المستدامة، تواصل نمو قيمتها.
في غضون ذلك، ترسّخ الأندلس مكانتها كأسرع الوجهات نموًا، مع زيادة في عدد الزوار بنسبة 7.3% وارتفاع ملحوظ في متوسط إنفاق السائح الواحد.

خريفٌ من الأرقام والمشاعر
السياحة، بعيدًا عن الأرقام، قصةٌ مشتركة. وراء كل مليون زائر نظراتٌ ولغاتٌ وإيماءاتٌ وأحاديثٌ على الشرفات والقطارات والشواطئ. في سبتمبر، اختار أكثر من 4.7 مليون سائح الإقامة بين أربع وسبع ليالٍ – وهي مدةٌ تؤكد على توجه الاستمتاع ببطءٍ وعدم التسرع.
إن التركيز على الجودة والاستدامة يُترجم إلى سياحةٍ تترك بصمةً إيجابيةً – على التوظيف، والاقتصاد المحلي، وصورة إسبانيا الدولية. في هذا التحول، لكل منطقة ومدينة ومجتمع ريفي ما يُساهم به.
أكثر من مجرد أرقام: درسٌ في الثقة
لقد تعلمت السياحة الإسبانية إعادة ابتكار نفسها. بعد سنوات من التوسع والتحديات العالمية، لا تحافظ البلاد على ريادتها فحسب، بل تفعل ذلك بتوجه واضح: تحقيق الرفاهية دون استنزاف الموارد. ولعل هذا التوازن بين الاقتصاد والإقليم والحياة اليومية هو أعظم إنجاز لعام ٢٠٢٥.
لا تزال إسبانيا وجهةً للشمس والثقافة والفن، لكنها أيضًا مثال حي على كيفية النمو دون فقدان جوهرها.
,hoylunes, #españa, #turista#